وداعاً جاك دريدا
صفحة 1 من اصل 1
وداعاً جاك دريدا
وداعاً جاك دريدا
المستقبل - الثلاثاء 12 تشرين الأول 2004 - العدد 1721 - ثقافة و فنون - صفحة 18
د. محمد شوقي الزين
بوفاة الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، تفقد الفلسفة أحد الرواد اللامعين في العصور الحديثة. ذهب دريدا في الوقت الذي نحن بحاجة إلى ثقافته وبصيرته في قراءة مآزق العصر. لقد أقسم مراراً بأنه سيستريح ولكن إرادة المعرفة حالت دون الالتزام بوعده وخصوصاً بعد استفحال المرض. لدى لقائي به في باريس في 31 تموز 2002 قال لي بأنه سيذهب إلى ستوكهولم ليلتقي هناك بالمثقفين الفلسطينيين وأنه آخر سفر سيقوم به إلى الخارج ليستريح بعد ذلك. لكن بعد ستوكهولم كانت هناك لقاءات فكرية عدة في لندن وطوكيو وريو ديجانيرو حضرها دريدا ليخلد إلى العمل المستمر والبحث المتواصل لفهم بربرية العصر وأفول الحضارة في بعدها الانساني والتواصلي. في آخر حوار له مع جريدة "لوموند" الفرنسية يتعجب دريدا كيف أنه أصبح الوحيد على قيد الحياة بعد رحيل أصدقائه فوكو ودولوز وليوتار وغادامير وأنه يترقب المنية من حين لآخر.
بل ويترقب دخوله في مقبرة النسيان عندما اعتبر أنه الفيلسوف الوحيد الذي لا نقرأه أو لا نحسن قراءته وأنه سيدخل النسيان من بابه الواسع شهورا بعد وفاته.
هل الأمر كذلك؟
أحسب بأن دريدا سيتألق نجمه بعد رحيله مثلما تألقت أعماله في حياته. يكفي أن نرى كتاباته المترجمة إلى اللغات العالمية ومنها العربية ("الكتابة والاختلاف"، "مواقع" وقريباً "الغراماتولوجيا أو علم الكتابة") لنتيقّن بأن لديه في القلوب مكاناً وفي الأقلام مكانة. لسان المقاومة والنقد والتفكيك لا يتعب من السجال والجدال، يتمرّد ويتحدى وينتقد ليقول بصراحة وجرأة مخاطر السياسة الأميركية في المستقبل الآتي (كتابه "مارقون!") ومخاطر الانغلاق الأوروبي في هوية محنّطة وينعت سياسة اسرائيل بالانتحارية وبالمهزلة. هكذا مارس دريدا التفكيك: إنه سياسة في نقد "السياسة المعاصرة" التي تبتغي العلو والهيمنة ضاربة عرض الحائط القوانين الدولية، لأنها تقتات من تشرذم الشعوب تحت وطأة الاستيطان والاحتلال.
وداعاً دريدا، الصديق الذي غادر عالم الأوهام وترك إرثاً أدبياً وفلسفياً وفنياً سيكون بلا شك خارطة الجميع في متاهات العصر.
مرسيليا ـ فرنسا
في 10 تشرين الأول 2004
المستقبل - الثلاثاء 12 تشرين الأول 2004 - العدد 1721 - ثقافة و فنون - صفحة 18
د. محمد شوقي الزين
بوفاة الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، تفقد الفلسفة أحد الرواد اللامعين في العصور الحديثة. ذهب دريدا في الوقت الذي نحن بحاجة إلى ثقافته وبصيرته في قراءة مآزق العصر. لقد أقسم مراراً بأنه سيستريح ولكن إرادة المعرفة حالت دون الالتزام بوعده وخصوصاً بعد استفحال المرض. لدى لقائي به في باريس في 31 تموز 2002 قال لي بأنه سيذهب إلى ستوكهولم ليلتقي هناك بالمثقفين الفلسطينيين وأنه آخر سفر سيقوم به إلى الخارج ليستريح بعد ذلك. لكن بعد ستوكهولم كانت هناك لقاءات فكرية عدة في لندن وطوكيو وريو ديجانيرو حضرها دريدا ليخلد إلى العمل المستمر والبحث المتواصل لفهم بربرية العصر وأفول الحضارة في بعدها الانساني والتواصلي. في آخر حوار له مع جريدة "لوموند" الفرنسية يتعجب دريدا كيف أنه أصبح الوحيد على قيد الحياة بعد رحيل أصدقائه فوكو ودولوز وليوتار وغادامير وأنه يترقب المنية من حين لآخر.
بل ويترقب دخوله في مقبرة النسيان عندما اعتبر أنه الفيلسوف الوحيد الذي لا نقرأه أو لا نحسن قراءته وأنه سيدخل النسيان من بابه الواسع شهورا بعد وفاته.
هل الأمر كذلك؟
أحسب بأن دريدا سيتألق نجمه بعد رحيله مثلما تألقت أعماله في حياته. يكفي أن نرى كتاباته المترجمة إلى اللغات العالمية ومنها العربية ("الكتابة والاختلاف"، "مواقع" وقريباً "الغراماتولوجيا أو علم الكتابة") لنتيقّن بأن لديه في القلوب مكاناً وفي الأقلام مكانة. لسان المقاومة والنقد والتفكيك لا يتعب من السجال والجدال، يتمرّد ويتحدى وينتقد ليقول بصراحة وجرأة مخاطر السياسة الأميركية في المستقبل الآتي (كتابه "مارقون!") ومخاطر الانغلاق الأوروبي في هوية محنّطة وينعت سياسة اسرائيل بالانتحارية وبالمهزلة. هكذا مارس دريدا التفكيك: إنه سياسة في نقد "السياسة المعاصرة" التي تبتغي العلو والهيمنة ضاربة عرض الحائط القوانين الدولية، لأنها تقتات من تشرذم الشعوب تحت وطأة الاستيطان والاحتلال.
وداعاً دريدا، الصديق الذي غادر عالم الأوهام وترك إرثاً أدبياً وفلسفياً وفنياً سيكون بلا شك خارطة الجميع في متاهات العصر.
مرسيليا ـ فرنسا
في 10 تشرين الأول 2004
مواضيع مماثلة
» إحتفاء بجاك دريدا في البحرين
» دريدا في الجزائر
» دريدا و التفكيك، بقلم علي حرب
» معجم دريدا لشارل رامون
» جاك دريدا : الوعد الذي كان على العاتق
» دريدا في الجزائر
» دريدا و التفكيك، بقلم علي حرب
» معجم دريدا لشارل رامون
» جاك دريدا : الوعد الذي كان على العاتق
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى